يلفت مطعم صغير بحي كرويتسبيرغ الشعبي الشهير بالعاصمة الألمانية برلين الأنظار
إليه يوميا بسلسلة طويلة تمتد لأمتار أمامه من الزبائن المنتظرين أخذ دورهم في شراء
شطيرة أو أكثر من الشاورما التركية التي أشتهر هذا المطعم بتقديمها.
وترتسم بسمة تعجب على محيا المارة بشارع ميرنغدام الواقع فيه هذا المطعم التركي
بمجرد أن تقع أعينهم على الطابور الطويل الذي يأخذ في التزايد بمرور ساعات النهار,
وقالت يوليا -الطالبة بجامعة هومبولدت البرلينية- إن صاحب المطعم رد عليها بأنه
يفضل الستر عندما أقترحت عليه قبل عام تسجيل مطعمه ضمن معالم برلين السياحية, أو
التقدم بطلب لإدراجه بموسوعة غينيتس للأرقام القياسية باعتباره المطعم صاحب أطول
سلسلة زبائن بشرية يومية في ألمانيا.
وذكرت الطالبة الجامعية للجزيرة نت أثناء وقوفها بالطابور أنها تعد نفسها واحدة
من ملايين الألمان عشاق الشاورما التركية, وأشارت إلى أنها اكتشفت المطعم الذي تقف
أمامه مع والديها قبل عشر سنوات وصارت بعد ذلك تواظب على الشراء منه أسبوعيا.
أعجوبة اقتصادية
ويمثل المطعم الذي تتردد عليه الطالبة يوليا واحدا من ألفي
مطعم للشاورمة التركية تنتشر في أحياء وضواحي برلين, إضافة إلى 15 ألف مطعم آخر
تتنوع بين الصغير والكبير وتتوزع على ولايات ومدن ألمانيا من شمالها لجنوبها.
واعتبرت دراسة أصدرها اتحاد صناع الشاورما التركية في أوروبا أن صناعة الشاورما
في ألمانيا تمثل أعجوبة أفاد منها اقتصاد البلاد والأتراك المقيمون فيها على حد
سواء, وقدرت دراسة الاتحاد -الذي يقع مقره الرئيسي في برلين - عدد العاملين في هذا
المجال الأقتصادي بألمانيا بأكثر من ستين ألف شخص وعدد الشطائر التي تلتهم يوميا من
هذه الوجبة التركية بثلاثة ملايين شطيرة تبلغ عائداتها السنوية 3.5 مليارات
يورو.
ولفتت الدراسة إلى أن اقتصاديات الشاورما باتت تحقق نموا مطردا بعد انتقال رواج
هذه الوجبة من ألمانيا إلى جاراتها بلجيكا وهولندا وفرنسا التي تستورد سنويا من
ألمانيا 80% من مستلزمات الشاورما, و60% من اللحوم الداخلة ضمن مكونات هذه الوجبة
بواقع 360 طنا يوميا, وأشارت إلى أن دول أوروبا الشرقية -خاصة بولندا- أصبحت سوقا
واعدة لصادرات أتراك ألمانيا المتزايدة من أسياخ الشاورما.
ومثلت الشاورما ثورة بصناعة الوجبات السريعة عند بيعها كشطائر لأول مرة عام 1972
في برلين التي توصف بالعاصمة غير الرسمية بأوروبا لهذه الوجبة, وتفوقت مبيعات هذه
الشطائر التركية بألمانيا خلال الأربعين عاما الأخيرة على ما عداها من مبيعات
الوجبات السريعة الأخرى.
ويتوزع بالمدن الألمانية المختلفة حاليا نحو 17 ألف مطعم للشاورما مقابل 1300
مطعم فقط لسلسلة ماكدونالدز الأميركية التي افتتحت أول فرع لها بميونيخ عام
1971.
الإبتكار وصاحبه
وعلى العكس من وجبات الهامبرغر الأميركية المسجلة كبراءة
اختراع, تعد الشاورما -التي يطلق عليها اسم دونر كباب- أمرا مشاعا لكل من يرغب بفتح
مطعم لبيعها.
ويدعو صاحب ابتكار شطائر الشاورما في ألمانيا قدير نورمان مواطنيه الأتراك إلى
خوض غمار المنافسة بوجبتهم بقوة في مواجهة البيتزا الإيطالية والهامبرغر الأميركي
ونقانق الكوري الألمانية.
وأوضح قدير -الحاصل العام الماضي على وسام تركي تفديرا لإنجازه- أن الشاورما
التي ابتكرها قبل أربعة عقود ببرلين تؤكل في شطائر من الخبز بعكس نظيرتها التي تؤكل
في تركيا بالأطباق, وأشار في تصريح للجزيرة نت إلى أنه لم يكن يتوقع عندما طرح
شطيرة الشاورما الواحدة بمارك ونصف المارك أن تحقق هذه الوجبة ما تتمتع به حاليا من
شعبية جارفة ويقام لها معرض سنوي في ألمانيا.
ولفت إلى أن المفارقة أن الزبائن الألمان أبدوا حينذاك تحفظا تجاه الوجبة
الجديدة التي لقيت بالمقابل استحسانا بالغا من الأتراك والشبيبة العرب بغرب
برلين.
ودعا قدير -المقترب من الثمانين عاما- لرفع سعر شطيرة الشاورما الواحدة لخمسة
يوروات, معتبرا أن تراوح السعر الحالي للشطيرة بين يوروين وأربعة يوروات لا يتناسب
مع مكوناتها العديدة وقيمتها الغذائية المرتفعة.
ا ندماج وثقافة
وسمع الألمان للمرة الأولى بالشاورما التركية عام 1836 عبر ما
كتبه رئيس أركان الجيش البروسي حينذاك الجنرال هيلوت غراف فون مولكا عن وجبة شهية
أكلها في الطبق بعد أن ألزمه مضيفوه بغسل الأيادي خلال زيارته الرسمية لمدينة بورصة
العثمانية.
وفي منتصف التسعينيات كتبت رائدة الدراسات الإسلامية بالجامعات الألمانية
البروفيسورة سيغفريد هونكه "إن الألمان مدينون بالشكر لمهاجريهم الأتراك لدورهم في
بناء ألمانيا الحديثة, وإثرائهم للمطبخ الألماني بابتكار شطائر الشاورما".
وأعتبرت المفكرة الراحلة صاحبة مؤلفي (شمس العرب تسطع على الغرب) و(الله ليس
كذلك) أن "الدونر كباب" تحول من وجبة تمنح سعرات حرارية مرتفعة إلى رمز لاندماج
الأتراك, ومكون رئيسي بثقافة الطعام الألمانية.