للمؤلف الدكتور عزت السيد أحمد
مقدمة .,
اشْتُهر
الجاحظ أكثرَ ما اشتُهر بكتابه البخلاء الَّذي تَعَرَّضَ فيه بالنَّقد
اللاذع المرِّ لسلوكات البُخلاء وأنماط تفكيرهم وتعاملهم، معرِّجاً في ذلك
على حججهم وأساليبهم وآليات تفكيرهم وادعاءاتهم؛ يناقشها تارةً وتاراتٍ
يكتفي بعرضها عرضاً تهكُّميًّا أو يصوِّرها تصويراً جماليًّا بديعاً يكاد
يكون منقطع النَّظير بروعته وسحره الأخَّاذ الذي يأخذ بمجامع القلوب.
الحقيقة
أنَّ كتاب البخــلاء وإن كان كتاباً عالميًّا بكلِّ ما للعالميَّة من
مقاييس ومعايير فإنَّه قد لا يكون أكثر كُتب الجاحظ أهميَّةً بالنِّسبة
للجاحظ خاصَّةً وبالنِّسبة إلى بقيَّة كتبه الأخرى على صعيد مجمل إنتاجه
عامَّةً وعلى صعيد فلسفته الأخلاقيَّة خاصَّةً. وإذا كُنَّا قد عُنِيْنَا
هنا بفلسفته الأخلاقيَّة فمن الضَّروريِّ أن نشير إلى أنَّ النِّسبة العظمى
من كتب مفكِّرنا قد عُنِيَتْ بالأخلاق من مختلف جوانب البحث والتَّناول.
فعلى
صعيد النَّظريَّة الأخلاقيَّة يمكن القول إنَّ نظريَّة الجاحظ الأخلاقيَّة
مبثوثةٌ في معظم كتبه، أَو يمكن اشـتقاق معالم هذه النَّظريَّة من معظم
كتبه ورسائله لأنّ معظمها يدور في فلك الأخلاق بصورةٍ أَو بأخرى، ورُبَّما
لا يقلُّ كتاب عن آخر قيمةً في هذا الإطار. ولذلك فإنَّ كتبه البعيدة في
عناوينها عن الأخلاق ليست أقلَّ قيمةً من الكتب الواضحة الانتساب إلى
الأخلاق، ومن ذلك على سبيل المثال أنَّ كتابه الحيوان حوى الكثير من
الرُّؤى والمواقف والتَّنظيرات الأخلاقيَّة، وكذلك شأن كتابه المحاسن
والأضداد الذي هو في محوره كتاب في الأدب واللغةٍ.